اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه له الحكم التام الحكم البالغة فيما خلقه وفيما شرعه ، فهو الحكيم في خلقه وفي شرعه لم يخلق عباده لعبا ولم يتركهم سدى ولم يشرع لهم الشرائع عبث بل خلقهم لأمر عظيم وهيأهم لخطب جسيم وبين لهم الصراط المستقيم وشرع لهم الشرائع ليزداد بها إيمانهم وتكمل بها عباداتهم .
ومن حكم الله سبحانه أن جعل العبادات متنوعة ليتمحص القبول والرضا وليمحص الله الذين آمنوا ، فإن من الناس من قد يرضى بنوع من العبادات ويلتزم به ويسخط نوعاً أخر ويفرط فيه ، فيجعل الله من العبادات ما يتعلق بعمل البدن كالصلاة ومنها ما يتعلق ببذل المال المحبوب إلى النفس كالزكاة منها ما بتعلق بعمل البدن وبذل المال جميعا كالحج والجهاد ومنها ما بتعلق بكف النفس عن محبوباتها ومشتهياتها كالصيام .
· فمن حكم الصيام : أنه عبادة لله تعالى يتقرب العبد فيها إلى ربه بترك محبوباته ومشتهياته من طعام وشراب ونكاح ، فيظهر بذلك صدق إيمانه وكمال عبوديته لله تعالى وقوة محبته له ورجائه ما عنده ، فإن الإنسان لا يترك محبوبا إلا لما هو أعظم عنده منه .
· ومن حكم الصيام : أن سبب للتقوى كما قال الله سبحانه وتعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)" فإن الصائم مأمور بفعل الطاعات واجتناب المعاصي ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) رواه البخاري .
· ومن حكم الصيام : أن القلب يتخلى للفكر والذكر ، لأن تناول الشهوات يستوجب الغفلة وربما يقسى القلب ويعمي عن الحق ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى التخفيف من الطعام والشراب فقال صلى الله عليه وسلم (( ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه .
· ومن حكم الصيام : أن الغني يعرف به قدر نعمة الله تعالى عليه بالغنى حيث أنعم الله تعالى عليه بالطعام والشراب والنكاح وقد حرمها كثير من الخلق فيحمد الله على هذه النعمة ويشكره على هذا التيسير ويذكر بذلك أخاه الفقير الذي ربما يبيت طاوياً جائعاً فيجود عليه بالصدقة يكسو بها عورته وييد بها جوعته ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم (( أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام فيدارسه القرآن )).
· ومن حكم الصيام : التمرن على ضبط النفس والسيطرة عليها والقوة على الإمساك بزمامها حتى يتمكن من التحكم فيها ويقودها إلى ما فيه خيرها وسعادتها فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، فإذا أطلق المرء لنفسه عنانها أوقعته في المهالك ، وإذا ملك أمرها وسيطر عليها تمكن من قيادتها إلى أعلى المراتب واسنى المطالب .
· ومن حكم الصيام : كسر النفس والحد من كبريائها حتى تخضع للحق وتلين للخلق فإن الشبع والري ومباشرة النساء يحمل كل منها على الأشر والبطر والعلو والتكبر على الخلق وعن الحق وذلك أن النفس عند احتياجها لهذه الأمور تشغل بتحصيلها فإذا تمكنت منها رأت أنها ظفرت بمطلوبها فيحصل لها من الفرح المذموم والبطر ما يكون سبباً لهلاكها والمعصوم من عصمه الله تعالى
· ومن حكم الصيام : أن مجاري الدم تضيق بسبب الجوع والعطش فتضيق مجاري الشيطان من البدن فإن الشيطان يجري من ابن آم مجرى الدم كما ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتسكن بالصيام وتنكسر سورة الشهوة والغضب ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (0 يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء )) متفق عليه . فجعل الصوم وجاء لشهوة النكاح وكسر لحدتها .ِ
· ومن حكم الصيام : ما يترتب عليه من الفوائد الصحية التي تحصل بتقليل الطعام وإراحة جهاز الهضم لمدة معينه وترسب بعض الرطوبات والفضلات الضارة بالجسم وغير ذلك فما أعظم حكمة الله سبحانه وأبلغها